مقدمة بقلم محمد إبراهيم - السياق المناخي الفريد لأفريقيا: الأقل مسؤوليةً وقدرةً على التحمُّل نظراً لانخفاض مستويات التنمية الاقتصادية
01 December, 2023
إن بناء الأنظمة الاقتصادية المتقدمة عمليةٌ مثقلة بالانبعاثات. فنظراً لانخفاض مستواها الإنمائي، تتحمل أفريقيا أقل قدرٍ من المسؤولية عن أزمة المناخ. غير أن انخفاض مستوى التنمية الاقتصادية لأفريقيا يعني أيضاً أنها المنطقة الأقل قدرةً على تحمُّل الآثار الضارة لأزمة المناخ. ومن المتعذر تحقيق الأهداف الإنمائية في أفريقيا، سواء كانت أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة أو أهداف خطة الاتحاد الأفريقي لعام 2063، من دون زيادةٍ هائلةٍ في استهلاك الطاقة وإتاحة الطاقة لجميع سكان القارة، كما هو الحال الآن في البلدان المتقدمة. وينبغي ألا يصلَ الأمر إلى المقايضة بين المناخ والأهداف الإنمائية، ولا إلى إنقاذ كوكبنا على حِساب ما يقارب من خُمس سكانه. غير أن ذلك لا يقتضي اتِّباع أفريقيا ذاتَ المسار الإنمائي التاريخي المُثقل بالكربون كما حدث في شمال العالم. فأفريقيا تمتلك ثرواتٍ هائلة برية ومائية ومعدنية يستحيل على العالم من دونِها أن يتحول إلى الاقتصاد المراعي للبيئة. ويمكن للبلدان الأفريقية تسخير هذه المقوِّمات المناخية في السعي لتنفيذ خططها الإنمائية الخاصة بالتزامن مع المساهمة في تحقيق الأهداف المناخية العالمية.
وقد أطلق إعلان القادة الأفريقيين في نيروبي بشأن تغير المناخ، والنداءُ إلى العملِ، النقاشات حول التوفيق بين المناخ والتنمية في أفريقيا. وحان الوقت لنرى العمل الفعلي. وبغية ضمان نجاح الدورة 28 لمؤتمر الأطراف (COP28)، يجب الاستناد إلى هذه النقاشات من خلال التصدي لهذه الأولويات الرئيسية الثلاث.
الأولوية الأولى - التركيز على التأقلم: بناء القدرة على التحمُّل والتنمية المُحصَّنة ضد تغير المناخ
في قارةٍ يفتقر ما يقارب من نصف سكانها إلى إمكانية الحصول على الكهرباء، لا يمكن أن تتركز الجهود على الحدِّ من الانبعاثات المتدنية للغاية أصلاً، وفي مطلق الأحوال لن يكون لذلك أثرٌ يُذكَر على إبطاء وتيرة تغير المناخ على مستوى العالم. ويكمن الحلُّ في مبدأ "المسؤولية المشتركة لكن المراعية للتفاوت". وفي حين أن الحدَّ من الانبعاثات لدى أصحاب البصمة الكربونية الأكبر هو أمر في غاية المنطقية، وسيكون له الأثر الأعظم على أزمة المناخ، فإن التركيز في أفريقيا ينبغي أن ينصبَّ على التأقلم مع تأثيرات تغير المناخ وبناء القدرة على التحمل. ويعني ذلك التصدي للتحديات الإنمائية المستمرة التي تُفاقِم قابلية التأثر، وإدراجَ القدرة على تحمُّل تغيُّر المناخ في البرامج الإنمائية مستقبلاً.
الأولوية الثانية - إطلاق إمكانات المقومات الخضراء لأفريقيا: إضافة القيمة محلياً والتركيز على الحوكمة
يمكن الاستفادة من المقومات الخضراء الهامة لأفريقيا في إحراز تقدُّمٍ في الخطط الإنمائية للقارة، بالتزامن مع المساهمة في الأهداف المناخية العالمية. ومن أجل تحقيق هاتين الغايتين معاً، من الهام تفادي نموذج النمو التاريخي الذي يرتكز إلى استخراج الثروات الباطنية وتصدير المواد الخام. أما التحوّل على المستوى المحلي، الذي سيعزِّز العمالة المحلية ويقلِّل الانبعاثات الصادرة عن الشَّحن ذي الكثافة الكربونية العالية، بالإضافة إلى حوكمة الموارد الطبيعية، والجهود المبذولة عالمياً للحفاظ على التنوع البيولوجي، فهي جميعاً أساسيةٌ للاستفادة من الإمكانيات الخضراء للقارة.
الأولوية الثالثة - كسر الرابط بين الديون والمناخ، ورفع العائدات المحلية لأفريقيا
تفرض محدودية العائدات المحلية على البلدان الأفريقية اللجوء إلى الاقتراض الخارجي لتمويل الأهداف الإنمائية، إما بأسعار فائدة مجحفة من القطاع الخاص، مع شروط سياساتية مرهقة من المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف، أو بزيادة الاعتماد على الشركاء الثنائيين. وفي الوقت نفسه، تستمر التدفقات المالية غير المشروعة وهروب رؤوس الأموال في استنزاف موارد القارة. وعلاوةً على ذلك، فإن الخدمة المكلِفة للديون تستنفد المزيد من موارد القارة، وبالتالي تمنع الاستثمار اللازم لبناء القدرة على تحمُّل تغيُّر المناخ. إن إصلاح الهيكل المالي العالمي، وكسر الرابط بين الديون والمناخ، وزيادة عائدات أفريقيا، جميعها عوامل حاسمة من أجل التوفيق بين المناخ والتنمية.